عن الطبيعه ...
في هذا الكون وعندما تطل الشمس بنظراتها البراقة معلنة بداية نهار جديد ووضوح الغامض الفريد يكون قد أطل على انبساطة الأرض شعاع غالب لونه الصفار فتخرج الطبيعة لك ظاهرة من مخبأها التي كانت متخبأة به قبل بزوغ الشمس وهي بذلك كانت قد غطت وسترت غالب مظاهر جمالها البديع و انبساطة أرضها لتوهم الناظر أن الطبيعة سواد في سواد, ولكنها تنكشف بعد ذلك فهو هذا المصباح الطبيعي قد خرج عليها وفضح أسرارها ليكشف سر الجمال الذي فتن الجميع به , ليتهيأ للناظر جمال هذا الكون . فيرى الأزهار المتنوعة وكأنها أساس هذا الجمال فتظهر له تلك الأشجار المثمرة فلكأنها الجبال في تثبيتها للأرض ومن ثم يظهر لك هذا البساط العشبي الأخضر ليدخل السرور والبهجة لقلب المتأمل وما كاد المرء يستمتع بهذه المفاتن حتى يسمع صوت غدير يجري ,ليلتفت فيرى هذا الجدول يلعب بين تلك الأشجار والأزهار ولربما رأيته ينزل من تلك الشلالات التي ارتكزت على التلال الخضراء لتفتح فيها طريقاً لمجراه المعتاد , وبوجود الماء والخضرة تكون الطيور والعصافير قد قدمت على هذا المكان لتطرب مسامعها بصوت جريان الماء وليسمع منها ما يسر القلوب ويفتح النفوس بذاك الصوت العذب ألا وهو صوت تغريدها وهي تقوم بذلك بكل بهجة ..وفرحة بما يحمله هذا الكون من الجمال . وهذا هو ما خبأه لنا الكون من أرضه ..لكن ما ذا عن سماءه...؟!؟!
هي تلك السماء الساطعة بزرقتها والتي تحمل بين جنباتها تلك الغيوم التي تلبدت فيها ...لتخرج الكون لنا بأحسن صورة ....
مقااااااااال ... ثااااااااااااااني ..
************
سماء صافية تسبح فيها سحبٌ رقيقة ، وبحر هادئ تتحرّك فيه أمواجٌ خفيفة ، وهواء عليل تسيّره أنغام
الرياح الباردة ، بأصوات القوارب الصغيرة ، والأسماك المتلاعبة ..حول تلك النافورة العالية المذهلة !
أما الشمس ، فحدّث عن جمالها ولا حرج ، إنّها في لحظات الغروب ..
عجيب أمرها ! جميلة هي في الغروب كالشروق !
في تلك اللحظات جلست أرقب ذلك المنظر الذي أبدعه الإله ، إنّها مناظر تتسلل برّقة إلى الفكر ؛
لتدغدغ ذكرياته ، وتسيطر على الكيان ؛ لتحرّك أشجانه ...
لقد تغيّر لون البحر في دقائق الغروب تلك ، فلمحت ذلك التغيّر صغيرتي ( جودي ) ،
فقالت لي : ( ماما ، ليه البحر كان لونه أحمر صار أخضر ؟!! )
طبعًا لصغر سنّها لا تميز الألوان .. قلت لها ؛ إيجازًا للكلام ، وتعظيمًا للرحمن : سبحـــان الله .. وسكت ؛
رغبةً في الرجوع إلى تأمّل تلك اللوحة الفنّية الرائعة ..
أتدرون ماذا تمنّيت ساعتها ؟
تمنّيت أن أملك ورقة وقلمًا ؛ لأنقل تلك اللوحة البديعة كما رأتها مشاعري ، وصاغتها عباراتي .
وما أن أطلت النظر حتى حملتني هذه الطبيعة إلى السماء ؛ لتريني الكون من تحتي صغيرًا عجيبًا ،
وياعجبي مما رأيت !!
رأيتُ صنوفًا من الأحوال ، كلّها تحمل علامات الاستفهام ، فكلٌّ كما قيل :
يغني على ليلاه ، ويندب حظّه في الحياة !!
رأيت أسرة ظهرت لي أنّها من أصل بدوي ، فسيارتهم (وانيت ) بغمارتين ، ولهجتهم قوية غامضة ، وملابسهم متميزة .
رجل في الخمسين تقريبًا ، بجانبه امرأتان ، إنّه رجل مسكين ! إذ لا أجانب الحقيقة إن قلت :
إنّ سياط الظروف قد قسمت ظهره !!
فتلكما المرأتان هما ضرّتان - كما بدا لي - فأحدهما قــد كشّرت عن أنيابها ، تراها حينًا تشير باليد متوعدة ،
وحينًا رافعة للصوت مهددة ، والأخرى تهدئ الوضع ، تارة تدخل السيارة ،
وتارة تعود بعد أن يطول الانتظار ، فتجد من العقاب ما لقيت في المرة الأولى .
أمّا الزوج ، فإنّك لا تسمع صوته إلا همســــًا ، قد أعجزه الرد على تلك المتسلّطة ، وأشكل عليه الحكم في الأمر .
قلت : عجيييب !! صدق من قال : (( يا من شرى له من حلاله علة))!! .
ورأيت تلك الأسرة الباكستانية البسيطة ، وقد جلست على الرصيف بدون أن تفترش سجادًا لتجلس عليه ،
أسرة يمتلك أفرادها الخفّة والنشاط ، وسرعة فائقة في الكلام !!
عجبت كيف يمكنهم أن يلتقطوا تلك المفردات ليردّوا عليها !! بل الأعجب من ذلك ...ذلك العدد الهائل من
الأطفال الذي لا يتجاوز أكبرهم السنوات الخمس !
عجيييب !! كيف لهذين الأبوين أن يحسنا التربية ؟!
ورأيت ذلك الستيني جالسًا على كرسي ، وقد أجلس بجانبه شابة لا تزيد عن الثلاثين إن لم يكن أقل ،
كم كان حاله معها عجيبًا !! ولايمكن أن تكون غير زوجته كما يبدو ! إذ يخشى عليها من النظرات !
عجيييب !! هل هو حديث عهــد بالزواج ؟!
ورأيت تلك المتبرجة التي كشفت عن يديها ورجليها وأظهرت مالا داعي له مما حول العينين ، وأخذت
بتصوير صغير لها ،أمام منظر الغروب البديع !
عجيييب !! أين غيرة ذلك الزوج القابع في السيارة ؟!
ورأيت بائعة الألعاب النارية ، تغدو من أمامي وتروح ، لا نهاية للطريق ، ولا توقف عن المسير !!
عجيببب !! لا أعرف بعد كل هذا أين سينتهي بها المصير؟!!
كل تلك الأحوال أمامي وقريبة مني ، مما يجبرني على رؤيتها وسماع لغتها ... شعرت وسط معمعة تلك
الأحوال بأني أحلم ، وتمنيت أن أستمر في الأحلام ، لربما تظهر لي أحلامًا أخرى وردية ..
ثم عدت بالنظرات إلى صغيرتي المتأملة لهذه الأحوال مثلي ، فقلت لعلي أحادثها فتقطع حبل أحلامي
العجيبة ، ( قلت لها بالعامي ) :
( طالعي - يا جودي - في البحر، ليه الموية تطلع إلى فوووق ، وبعدين تنزل )
قصدت تلك النافورة العجيبة ..أجابت وبسرعة البرق ، وبنغمة التعجب المذهلة في المــد :
مـــــــــااادري ، سبحاااااان الله .
ومن عجبي من ردّها ..قلت : سبحان الله ..
أمـّــا هذا فعجيـــــــــــــــــــــــب فعلا
مع تحياتي:احمد القرشي